الجمعة، سبتمبر 16، 2011

رحلة بين الغروب والظلام



لم تكن الرحلة بتلك السهولة، لقد عانينا كثيرا فى الطريق لكى نصل الى محطتنا، فالقطار كان كعادته فى هذه الأوقات من السنة، مكتظ بالبشر وكأنه آخر وسيلة انتقال للبشرية لتنقلهم من اماكن القحط والجفاف الى مواطن النبات والمياه، تماما كأفلام الخيال العلمى الأجنبي.

أكوام البشر الواقفه فى كل مكان، والآخرى النائمه على الأرض فى ارتياح بالغ كانها فوق سرير من الأسفنج الطبى وليست على أرض متسخه وأكوام من الأرجل الذاهبه والآتيه التى تدهسهم فى الدقيقة مئات المرات.

يُخيل لك للحظات انه كان قطار متهالك من ذوى التذاكر الزهيده، لكن الحقيقة انه من المفترض ان يكون احد تلك القطارات الفارهه الغالية الثمن، لكن ما عاد هناك فارق، ففى أوقات الأعياد يصبح عند بعض الناس استعداد لو يبيعوا منازلهم من أجل ثمن تذكره اى شيء يوصلهم الى غاياتهم من قضاء تلك الأوقات بين أهلهم على أمل الشعور ببعض الدفيء والطمأنينه التى نحرم منها نحن ساكنى المدن الكبيرة.

توقف القطار كثيرا فى رحلته، توقف كثيرا لكى يحمل المزيد من الأشخاص من مختلف المدن والمحافظات لينقلهم الى مدن ومحافظات آخرى .. تخيلت للحظات ان هذا القطار يسمح للناس بركوبه حتى لو لو امتلاء عن آخره، لكنه لا يسمح لأحد بمغادرته .. مهما فعل.

نظرت من الشباك بجوارى أريد ان ارى بعض البراح .. بعضا من اللون الأخضر تصحبه زرقة السماء الباهته المائلة للون البرتقالى وقت الغروب، أحاول أن أجذب انتباهى لأى شيء بعيد عن كل ما حولى من أشياء.

فلم أجد ما يستحق الاهتمام فى حياتى، فابتسمت ابتسامه ساخره من نفسي، واتجهت لأنظر الى وجوه الناس من حولى، كل انسان يحمل فى أعلى جسمه شيء شبه مستدير نطلق عليه نحن معشر البشر .. رأس .. وبداخل كل رأس يوجد شيء اسمه عقل .. او مخ .. لا ادرى ما الفارق بينهما لكن فى النهايه يوجد بداخل هذا الشيء عدد لا حصر له من الأفكار والأمنيات والإشارات التى تنتقل منه الى باقى أعضاء جسده لينتج عنها تصرفاته المختلفه.

فأنظر الى رجل نائم مسند رأسه على حائط من حوائط القطار وفمه مفتوح على مصراعيه، مفتوح لدرجه ان يمكنك ان تدخل يدك كامله بداخله وتخرجها دون ان يشعر هو بشيء، أنظر اليه وأتأمل، يبدو عليه الإرهاق، ويبدو كأنه يهرب من اشياء تركها خلف فى العاصمه ويحاول ان ينسي أشياء ذاهب لملاقاتها بين أهله، واختار النوم وسيلة ليهرب فيها من كل الأشياء، وسيلة ليكون فيها مع نفسه وملك نفسه لساعات قليلة.


وهذا الرجل الذى يحمل عينان فى رأسه، لكنهم ليس ملكا له، انما ملكا لكل البنات والسيدات التى تمر أمامه، فهو يترك عيناه لتذهب هنا وهناك لتنظر وتنظر، متمنيه أن تخترق كل الحواجز والعراقيل وان تذهب بنظرها الى ابعد من بعيد، فأنظر اليه بجرائة محاولة ان انبهه الى انى افهم جيدا ما يفعله بتلك العينان، أحاول ان أخبره بعينى انى اود ان أقتلع عيناه منه ولو للحظات ليدرك قيمتها الأكثر أهميه من النظر الى النساء، لكن عينى تقع فجأه على يده فأجد بيده الشمال دبله، او ذلك المسمى بخاتم الزواج، فأترك التفكير به وبعينيه المستفزه للنصف الأخر من خاتم زواجه، بتلك المرأة التى تحمل اسم ذلك الرجل، بشعورها عندما تكون بجواره وهو ينظر الى كل النساء ما عداها، عنده شعور انها ملكا له فلا يبالى بالنظر اليها انما هو ينظر الى هؤلاء اللائى لا يمتلكهن ليشبع عنده شعور بالتملك .. نعم تملك، فهو يمتلك عينان.

وهناك فى نهايه العربه تقف امرأه يبدو عليها الغضب من معشر الرجال جميعا، فهى تحمل بين يدها طفل صغير ساعدها على احضاره للدنيا رجل، ويبدو انه تركها به وحيده فى الحياه، فهى كانت ترتدى الأسود ويعتليها الحزن المغمس بالغضب، فكل من حولها رجال، يجلس هنا وهناك رجال، وهى تحمل ذلك الطفل الرضيع بين يدها ولم يحاول أحدهم ان يترك لها مقعده دقائق لترتاح من عناء  حمل الطفل، ومن عناء السفر، ومن عناء وجودها فى مجتمع ممتلاْ بالرجال الذين لا يتذكرون النساء الا عندما يجوعون او يرغبون.


كانت الرحلة طويلة بأفكار الناس من حولى، وها هى الشمس قد غربت واصبح السواد يحيطنا من كل جانب، سواد السماء التى اختفت شمسها، وسواد النفوس التى ملأها الهم .. وخوف من طريق مجهول ندرك بعض من بدايته ولا ندرى شيء عن نهايته .. طريق نحاول فيه ان نجد رفقاء وأصدقاء نمضى معهم الوقت فيمضى سريعا، ونحاول أن نجد فيه قلوب جميلة لم يصل اليها السواد لتحملنا معها على السكينة والهدوء .. لكى نصل وجهتنا فى نهايه الرحلة بأقل الخسائر الممكنه، ولندرك ان الرحلة ليست فقط فى نهايتها وانما أهم ما فيها هى سكتها.

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

كل المدونة دى من كلماتى . واللى بنقله بكتب عليه منقول :))